وحدة أم عزلة…؟!

0

الوحدة أو ما يسمّيه البعض كابوس كلّ الأزمان وما يخشاه معظم النّاس، فيتعاملون بقسوة مع أنفسهم كي يرضوا الآخرين مقابل ألّا يعيشوا هذا الكابوس.

الوحدة بحدّ ذاتها قد تكون أحيانًا اضطراريّة، كأن يعيش الإنسان ظرفًا، كالسّفر أو غيره، فينتج عنه وحدةٌ قسرية قد تدخله في دوّامات الخمول وعدم الرغبة في عمل شيء، لعدم وجود التّفاعل المطلوب والثناء المنتظر الّذي ينتظره من النّاس، ثمّ قد يقع في الاكتئاب وغيره، ولكن هناك أشخاص قد استغلّوا ظروف وحدتهم الاضطراريّة وعملوا كما يعمل أيّ شخص أوقع نفسه بوحدة اختياريّة باحثًا فيها عن ذاته وشخصيّته الحقيقيّة المختبئة خلف قناعٍ مزيّف ارتداه لإرضاء النّاس.

نعم الكثير منّا يرتدي قناعًا لا يحبّه ولا يتقبّله و يخفي داخله ذاته الحقيقيّة، وأوّل خيطٍ للبحث عن الذات الحقيقيّة هو الوحدة، أو بتعبيرٍ أفضل العزلة، وليس شرطًا في العزلة البعد عن النّاس بشكل حرفيّ، وإنّما قد يعتزل الشخص النّاس بأفكاره لمدة معيّنة ريثما يسترجع ما يريد، وعندما يقرّر الشخص الّذي أزهقته التصرّفات الّتي لا تشبهه أن يتنحّى جانبًا ويحاول إعادة ترميم نفسه والبحث في حطامها عن ذاته الحقيقيّة، والّتي ستبدّل حياته كلّها بمجرد أن يلتقيها ويعانقها ويتقبّلها كما هي.

اقرأ أيضًا: سحر أم مرض نفسي

ولا يتوقّف الأمر في فوائد العزلة عند إيجاد الذّات وإنّما أهميّة العزلة تكمن في اكتشاف الجوهر الأساسيّ لذواتنا، لأنّ كلّ شخص منّا له جوهره الخاص لإبداعه المتفرّد بالحياة، لا يمكن له معرفته طالما أنّه يعيش في عباءة غيره ويلبس أردية لا تناسب هذا الجوهر، فإذا استفدنا من هذه العزلة وتمكنّا من خلع كلّ الأقنعة الّتي ألبستنا إيّاها العادات والتقاليد الغير جيّدة، وبالطّبع لا أقصد أنّ كلّ العادات والتقاليد ليست جيّدة، على العكس إنّما غالبيتها تحفظ النّاس من شرورٍ كثيرة، ولكنّ بعضها قد يحجّم الإبداع الّذي نكتشفه في أنفسنا، والّذي بدوره قد يغيّر حياتنا كليًّا، فكم من مبدعٍ في أيّ فنٍّ من فنون الحياة لم يكتشف نفسه إلّا عندما أخضعها لعلاج العزلة؟!.

ومن أهميّة العزلة هي التعرّف على الخالق جلّ جلاله، نعم التعرّف عليه بشكلٍ مقرّب وبدون مؤثرات خارجيّة ولا قوالب جاهزة، لكلّ إنسان طريقته في التواصل مع الله تعالى، ولكن أفضل وأنجح الطرق هي العزلة عن الخلق والتفرّد بالخالق ومناجاته وسماع استجابته بأذن العقل، وعندما ندعوه بأمرٍ ما ولا نجده أمامنا يأتي الجواب مباشرةً إلى أدمغتنا حال العزلة وتأتي الحكمة من المنع الّذي هو ذاته عين العطاء، فكم من شخصٍ دعا أمرًا لأيّامٍ وليالٍ كثيرة وبعد حين وعند صدمته بحقيقة لم يكن يعرفها بات حامدًا ربّه ليلَ نهار أنّه لم ينل ما كان يدعوه، فأقصى درجات القرب من الله تعالى وأعلى أنواع العبادة تكون في العزلة.

اقرأ أيضًا: رقية أم حبة دواء

إنّني وفي كلامي هذا طبعًا لا أشجّع على الوحدة أو العزلة بشكلٍ دائم، إنّما أتكلّم عن جوانبها الإيجابيّة في حال وعي من دخلها مختارًا.

للعزلة والوحدة أيضًا سلبياتٌ كثيرة إذا ما طالت عن أمدها، كالأمراض النفسيّة والكوابيس وضيق الصّدر، لذلك لا حلّ أنجح من التوازن في الحياة، فنعيشها كما هو مطلوب بشكلٍ اجتماعيٍّ سليم، ولكن لا مانع من العزلة ما بين الحين والآخر لغسل رواسب المجتمع من نفوسنا بشكلٍ دوريّ، كي لا تتراكم ويصبح غسلها أمرًا معقّدًا.

Leave A Reply

Your email address will not be published.